الانتخابات الهولندية: يسيلغوز تستبعد اليسار وتتمسك بتحالف يمين الوسط
في مشهد سياسي متشابك يشهده البرلمان الهولندي عشية الاستعداد للانتخابات، خرجت ديلان يسيلغوز، رئيسة حزب الشعب للحرية والديمقراطية (VVD)، بموقف صريح وحاسم تجاه مستقبل التحالفات الحكومية. فقد أعلنت بوضوح أن حزبها لا يرى أي إمكانية للتعاون مع ائتلاف GroenLinks-PvdA، الذي يقوده الوزير الأوروبي السابق فرانس تيميرمانز. موقف بدا للبعض متوقعًا، لكنه حمل رسائل متعددة في توقيته وصياغته، تعكس موازين القوى المتغيرة في السياسة الهولندية.
تصريحات ديلان يسيلغوز جاءت في أحد البرامج الحوارية السياسية البارزة، حيث أكدت أن الفجوة الأيديولوجية بين حزبها الليبرالي وبين الكتلة اليسارية الموحّدة ليست مجرد خلافات عابرة يمكن التفاهم حولها، بل هي تناقضات جوهرية تمس ملفات أساسية مثل السياسات الاقتصادية والضرائب واللجوء والطاقة. وأضافت أن تشكيل حكومة تضم مثل هذا التحالف لن يكون واقعيًا ولن يخدم الاستقرار السياسي الذي تتطلع إليه البلاد بعد سنوات من الاضطراب والانقسامات.
ومع ذلك، حرصت يسيلغوز على أن تبقي بعض الأبواب مفتوحة، حين قالت إنها لا تريد أن تصل البلاد إلى طريق مسدود، لكنها تراهن على إمكانية تشكيل أغلبية مستقرة من أحزاب يمينية أو وسط–يمينية. بالنسبة لها، الحل الأمثل يكمن في تحالف يُحافظ على خط اقتصادي ليبرالي صارم، ويوازن في الوقت نفسه بين متطلبات السوق وضرورة الإصلاحات الاجتماعية، من دون الانجرار وراء أجندة يسارية تعتبرها بعيدة عن الواقع الهولندي.
ردود الفعل لم تتأخر. فقد وصف فرانس تيميرمانز موقف VVD بأنه غير منطقي، خاصة وأن الحزب لا يستبعد بشكل قاطع العمل مع حزب الحرية (PVV) برئاسة خيرت فيلدرز، المعروف بتوجهاته المتشددة، بينما يرفض قطعًا التعاون مع كتلة يسارية ديمقراطية تعمل ضمن الإطار الدستوري. واعتبر تيميرمانز هذا الموقف دليلاً على ازدواجية سياسية، حيث تُستخدم المعايير بانتقائية تخدم فقط حسابات انتخابية ضيقة.
المراقبون السياسيون في هولندا يرون أن موقف يسيلغوز ليس مجرد تعبير عن رفض مبدئي، بل هو رسالة انتخابية موجهة بالدرجة الأولى إلى الناخب التقليدي لحزبها، الذي يخشى من هيمنة اليسار على السياسات الاقتصادية والبيئية. كما أنه يعكس رغبة VVD في ترسيخ صورته كحزب يميني براغماتي لا يغامر بتحالفات قد تهدد الاستقرار الاقتصادي، خصوصًا في وقت تواجه فيه البلاد تحديات كبيرة مثل أزمة السكن وارتفاع تكاليف المعيشة والتحول نحو الطاقة المستدامة.
ومع أن يسيلغوز أعلنت رفضها الصريح للتعاون مع GroenLinks-PvdA، إلا أن لغة السياسة في هولندا تُثبت دومًا أن الأبواب لا تُغلق تمامًا. غير أن المؤشرات الراهنة توحي بأن فرص ولادة حكومة تشمل هذا التحالف تبدو شبه معدومة، وأن المرحلة المقبلة ستشهد صراعًا مفتوحًا بين يسار يرفع راية التغيير الاجتماعي والمناخي، ويمين يركز على الاستقرار الاقتصادي والسيطرة على الهجرة.
بهذا الموقف، رسّخت ديلان يسيلغوز موقعها كصوت واضح داخل المشهد السياسي، رافضة الانزلاق نحو تحالفات تُهدد هوية حزبها، ومؤكدة في الوقت ذاته أنها ستسعى إلى تشكيل حكومة تمثل يمين الوسط وتستجيب لتطلعات جزء واسع من الناخبين الهولنديين. ويبقى السؤال الأهم هل ستنجح هذه الإستراتيجية في حشد الدعم الانتخابي الكافي لتأمين أغلبية، أم أن حسابات ما بعد الانتخابات ستفرض على VVD واقعية مختلفة تعيد خلط الأوراق؟.