أغسطس 31, 2025هولندا 24

القيادة الأوتوماتيكية تصبح القاعدة في هولندا… واليدوي يتشبّث بالاقتصادية

تشهد سوق السيارات الهولندية تحولاً لافتاً في خيارات السائقين عام 2025، حيث أصبحت السيارات المزودة بناقل حركة أوتوماتيكي الخيار المفضل في ثلاثة أرباع حالات شراء السيارات الجديدة. هذه النسبة تمثل قفزة هائلة مقارنة بما كانت عليه قبل خمس سنوات فقط، حين لم تتجاوز حصة الأوتوماتيك نصف السوق. ويعود السبب الأساسي في هذا التغيير إلى الطفرة الكبيرة التي حققتها السيارات الكهربائية والهجينة، إذ تأتي جميعها مزودة بناقل حركة أوتوماتيكي بشكل قياسي. غير أن الصورة تختلف تماماً عند التوقف أمام السيارات التقليدية العاملة بالوقود الأحفوري فهناك يواصل ناقل الحركة اليدوي الحفاظ على مكانته، بل ويكسب أرضاً جديدة في المبيعات، بحسب بيانات حديثة صادرة عن رابطة BOVAG ومؤسسة RDC.
لأرقام تكشف أيضا أن حصة الأوتوماتيك في مجمل السيارات الجديدة ارتفعت من 46 بالمائة عام 2019 إلى 70 بالمائة في عام 2024، ثم قفزت إلى 76 بالمائة في النصف الأول من هذا العام. لكن عند حصر هذه الأرقام بالسيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل أو الغاز، يبدو المشهد مختلفاً فقد تراجع نصيب الأوتوماتيك من 31 إلى 25 بالمائة منذ عام 2019، بينما ارتفعت مبيعات السيارات اليدوية من 62 إلى 73 بالمائة. وتفسر رابطة BOVAG هذه المفارقة بالإقبال المتزايد على السيارات الصغيرة والاقتصادية، وهي غالباً ما تأتي مزودة بناقل حركة يدوي، لدرجة أن نحو 99 بالمئة من السيارات الجديدة التي يتراوح سعرها بين 15 و20 ألف يورو في عام 2024 كانت يدوية، مقابل نسبة تبلغ 90 بالمئة من الأوتوماتيك في السيارات التي يتجاوز سعرها 30 ألف يورو.
التحوّل لا يقتصر على السيارات الجديدة فقط، بل يطال أسطول السيارات بأكمله في هولندا. فمع خروج السيارات القديمة ذات الناقل اليدوي من الخدمة تدريجياً، يزداد نصيب الأوتوماتيك بشكل واضح. قبل عشر سنوات، في نهاية 2014، كانت 84 بالمائة من السيارات الهولندية يدوية مقابل 16 بالمئة فقط أوتوماتيك. خمس سنوات لاحقاً تراجعت اليدوية إلى 77 بالمئة، ثم إلى 65 بالمائة في نهاية 2024، بينما ارتفعت الأوتوماتيك إلى 35 بالمائة. حتى داخل أسطول السيارات العاملة بالوقود التقليدي ارتفع نصيب الأوتوماتيك من 16 بالمائة في 2014 إلى 25 بالمائة في 2024. واليوم، تسير على الطرق الهولندية نحو 3.2 مليون سيارة أوتوماتيك، أي بزيادة مليون سيارة مقارنة بعام 2018، بينما تراجع عدد السيارات اليدوية إلى 5.8 مليون بعد أن كان يفوق ذلك بأكثر من نصف مليون.
هذا التغيير الجذري تغذّيه بالدرجة الأولى ثورة السيارات الكهربائية والهجينة، التي لا تُطرح إلا بناقل حركة أوتوماتيكي. ويؤكد ستيفارت بوييس من رابطة RAI أن الأمر لا يقتصر على الجانب التقني، بل يرتبط أيضاً بالراحة التي يوفرها الأوتوماتيك، ولا سيما في بلد مثل هولندا حيث الازدحام المروري يجعل القيادة اليدوية مرهقة. الأمر ذاته يلمسه وكلاء السيارات مثل مجموعة Van Mossel، التي تمثل علامات شهيرة مثل أودي وفولكسفاغن وهيونداي. مدير المجموعة إريك بيرخوف أوضح أن الأوتوماتيك لم يعد حكراً على السيارات الفاخرة، بل بات متاحاً حتى في الطرازات المتوسطة والصغيرة.
العامل السعري لعب دوراً إضافياً في تعزيز هذه الموجة. فبعد أن كان الأوتوماتيك لسنوات طويلة أعلى تكلفة، تضاءل الفارق إلى حد كبير، بل إن بعض الشركات تقدم عروضاً يكون فيها الأوتوماتيك جزءاً أساسياً دون مقابل إضافي. الصحفي المتخصص نيك شينك أشار إلى أن ناقلات الحركة الأوتوماتيكية في سيارات البنزين باتت أكثر كفاءة من اليدوية، بعدما كانت توصف سابقاً بأنها أقل اقتصادية. بل إن الاعتراض القديم المتعلق بـ”روح القيادة الرياضية” أصبح في حكم الماضي، إذ إن شركات مثل فيراري وبورشه تطرح سياراتها الرياضية حصراً بالأوتوماتيك، لما يوفره من سرعة في تغيير التروس تتفوق على قدرات أي سائق.
هذا التحول لا يبدو مفاجئاً إذا ما قورن بالولايات المتحدة، حيث يعتبر الأوتوماتيك القاعدة منذ عقود، بفعل المسافات الطويلة وحاجة السائقين إلى أقصى درجات الراحة. ومع ذلك، فإن تسارع الظاهرة في هولندا يثير تساؤلات عن مستقبل الناقل اليدوي، خصوصاً أن بروكسل أقرت قراراً يمنع ابتداءً من عام 2035 بيع أي سيارة جديدة تعمل بالوقود الأحفوري وتصدر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وبينما لا تجازف رابطة RAI بتحديد موعد دقيق لتفوق الأوتوماتيك الكامل على الطرق، إلا أنها تجزم بأن الاتجاه لن يتراجع، بل سيتسارع أكثر كلما زادت وفرة السيارات الكهربائية بأسعار معقولة، لتصبح القيادة الأوتوماتيكية القاعدة الجديدة بلا منازع في هولندا.
أما بالنسبة للصيانة، ففي هولندا يلاحظ كثير من السائقين اختلافاً واضحاً بين السيارات المزودة بناقل حركة عادي وتلك المزودة بجير أوتوماتيكي من حيث تكاليف الصيانة وطبيعتها. فالسيارات ذات الجير العادي ما زالت تحظى بسمعة جيدة بين أصحاب الورش والميكانيكيين، إذ يعتبرون أن أعطالها أقل تعقيداً، كما أن إصلاحها أو تبديل أجزائها لا يحتاج إلى تقنيات متقدمة أو أجهزة فحص باهظة الثمن. غالباً ما تقتصر المشكلات على تآكل الديسك أو كلتش، وهي أعطال معروفة يسهل التعامل معها وبتكاليف لا ترهق الميزانية.
على النقيض، يعتمد ناقل الحركة الأوتوماتيكي على أنظمة هيدروليكية وإلكترونية دقيقة، ما يجعل صيانته أكثر حساسية وكلفة. فمجرد خلل في وحدة التحكم الإلكترونية أو الحاجة إلى تغيير زيت الجير المتخصص يمكن أن يرفع الفاتورة بشكل ملحوظ. ورغم تطور التكنولوجيا في الورش الهولندية ووفرة قطع الغيار، إلا أن صيانة الأوتوماتيك تظل مرتبطة بمراكز متخصصة وأجهزة متقدمة، ما يحد من مرونة السائق في اختيار مكان الإصلاح ويزيد متوسط الكلفة مقارنة بالجير العادي.
إلى جانب الكلفة، يرى بعض السائقين أن ناقل الحركة العادي يمنحهم إحساساً أفضل بالتحكم بالسيارة، خاصة في الطرق الريفية أو عند مواجهة ظروف جوية صعبة. في المقابل، يفضل آخرون الأوتوماتيك لراحته وسهولة قيادته داخل المدن المزدحمة. إلا أن الاعتبارات المالية تبقى مؤثرة، إذ تميل فئات واسعة من الهولنديين إلى اعتبار السيارات ذات الجير العادي خياراً اقتصادياً أوفر على المدى الطويل، خصوصاً لمن يقودون سيارات قديمة أو مستعملة.
وعليه، يمكن القول إن صيانة السيارات ذات الجير العادي في هولندا أبسط وأرخص نسبياً من نظيراتها الأوتوماتيكية، لكن تفضيل نوع الجير لا يرتبط فقط بالتكاليف، بل أيضاً بعادات القيادة والراحة الشخصية لكل سائق.